هل الجولاني إرهابي أم براغماتي؟
هل الجولاني إرهابي أم براغماتي؟צילום: REUTERS/Khalil Ashawi

هل أحمد الشرع، المعروف بأبي محمد الجولاني، هو إرهابي يرتدي بدلة غربية، يضلل صناع القرار الغربيين المحبطين من واقع الشرق الأوسط الدموي والمليء بالحروب والإرهاب بين المسلمين والعرب بدوافع دينية وأيديولوجية منذ القرن السابع، فيغرقون في واقع بديل، افتراضي ومريح أكثر، قائم على التعايش السلمي بدوافع مالية ودبلوماسية؟

أم أنه تخلى عن الإرهاب، وتحول من شخصية أيديولوجية إلى براغماتية، يسعى إلى استقرار سوريا الممزقة قبلياً، وعرقياً، ودينياً وفكرياً، ويسعى إلى تعزيز تعايش سلمي محلي وإقليمي؟

رؤية قادة مثل الجولاني، ومحمود عباس، وعلي خامنئي، تنعكس بشكل أصيل في المناهج الدراسية، خطب الجمعة في المساجد، الإعلام الرسمي والعلاقات مع جهات إرهابية.

ولكي يكون تقييم سلوك الجولاني - ذو الخلفية الجهادية - واقعياً، يجب ربط أي بادرة تجاهه (مثل تعليق العقوبات الاقتصادية أو تجديد العلاقات الدبلوماسية) باجتثاث ثقافة الكراهية في التعليم، خطب الكراهية والإعلام التحريضي، وإنهاء كل العلاقات مع جهات إرهابية، إلى جانب تنصل علني ورسمي من أيديولوجية "الإخوان المسلمين" وتنظيم "هيئة تحرير الشام"، الذي يدعو لإسقاط الأنظمة الوطنية الإسلامية، إخضاع "الكفار"، وفرض الإسلام كالدين الشرعي الوحيد في العالم.

من أجل البقاء على اتصال بالواقع فيما يتعلق بسلوك الجولاني، يجب الاستفادة من تجارب سابقة لقادة في الشرق الأوسط الذين خدعوا صناع القرار الغربيين. على سبيل المثال، في بداياته، أغدق بشار الأسد على الغرب خطابات معتدلة، مشيراً إلى عمله كطبيب عيون في بريطانيا، زواجه من امرأة سورية مولودة في بريطانيا، ترؤسه لجمعية الإنترنت السورية وإتقانه عدة لغات أجنبية. لذلك، بدا وكأنه زعيم معتدل محتمل، استُضيف من قبل رئيس فرنسا في "استعراض يوم الباستيل"، وصار مقرباً من السيناتور جون كيري وغيره من النواب الأمريكيين. لكن الأسد ظهر أكثر شيطانية من والده، وقاد حرباً أهلية أودت بحياة أكثر من 500,000 شخص، وسببت نزوح 7 ملايين لاجئ وعدد مماثل من المهجرين داخلياً في سوريا.

في عام 1978، أحاط آية الله الخميني نفسه بمستشارين شباب، أذكياء، فصيحين، خريجي جامعات غربية ويتقنون لغات متعددة، ووجّههم لإطلاع الدبلوماسيين والصحفيين الأمريكيين بمعلومات (مضللة) حول رؤيته المعارضة للاتحاد السوفيتي والمؤيدة لأمريكا، وتركيزه على حقوق الإنسان للشعب الإيراني، وتجنبه لتصدير الثورة الإسلامية خارج إيران، والتزامه بالتعايش السلمي مع الجيران السنة.

رئيس الولايات المتحدة، جيمي كارتر، انبهر برسائل الخميني، وصرّح أن "الخميني سيقود الجرارات وليس الدبابات"، وأن "الخميني سيكون غاندي النسخة الإيرانية"، ومارس ضغوطاً شديدة على الجيش الإيراني (الذي عارض عودة الخميني من منفاه في فرنسا)، مما سهل إسقاط حكم الشاه المؤيد لأمريكا. لكن على النقيض من الواقع البديل الذي استحوذ على وزارة الخارجية والبيت الأبيض، كان الخميني مدفوعاً برؤية متطرفة، فأعدم العديد من كبار الضباط، استولى على السفارة الأمريكية واحتجز 50 أمريكياً كرهائن لمدة 444 يوماً، وحوّل إيران من "شرطي أمريكا في الخليج" إلى مركز عالمي معادٍ لأمريكا، ناشط في الإرهاب، تجارة المخدرات، غسيل الأموال ونشر الأسلحة.

في عام 1993، أطلق ياسر عرفات تصريحات سلام موجهة للجمهور الإسرائيلي والغربي، وليس للدول العربية، تماشياً مع انبهار القادة الإسرائيليين والغربيين بواقع بديل لـ"السلام الآن" و"شرق أوسط جديد" قائم على التقدم والتعايش السلمي، مما أدى إلى شرعنة أكبر إرهابي ونيله جائزة نوبل للسلام، تزامناً مع موجة إرهاب غير مسبوقة.

"الإخوان المسلمون" - أكبر تنظيم إرهابي سني في العالم - يرون في نموذج حكم الجولاني مصدر إلهام لتطورات مماثلة في جميع الدول العربية. منذ تأسيسهم عام 1928، يظهر "الإخوان المسلمون" براعة في تضليل الغرب عبر أنشطة دينية، تعليمية، اجتماعية، طبية وسياسية، إلى جانب التخريب والإرهاب. وهم مدفوعون برؤية تستوجب إسقاط كل نظام وطني إسلامي وإخضاع الغرب "الكافر"، وإقامة مجتمع عالمي يقوم على الإسلام كالدين الشرعي الوحيد. وعلى عكس مؤسسات السياسة الخارجية الغربية التي لا تصنف "الإخوان المسلمين" كمنظمة إرهابية، فإن جميع الأنظمة العربية المعتدلة تشعر بتهديدهم الشديد.

الخلاصة: رغم أن الجولاني قد يكون إرهابياً تحول إلى براغماتي، على الغرب أن يتعلم من تجربة جون جينكنز، الخبير البريطاني في شؤون "الإخوان المسلمين" والشرق الأوسط: "على الغرب أن يتجاوز إغراء تفسير الشرق الأوسط من خلال قيم ومفاهيم غربية... فقد ينجرف للاعتقاد أن إسقاط نظام شرير في الشرق الأوسط سيؤدي إلى صعود نظام إيجابي، لكن الواقع يُثبت العكس... العنف السلطوي لا يضعف بل يعود..."