
في عام 622 ميلادي، هاجر النبي محمد وأتباعه من مكة إلى يثرب، والتي أصبحت تُعرف لاحقاً بـ"المدينة". كانت المدينة آنذاك ذات غالبية يهودية، ويُقال في بعض الروايات الإسلامية إن يثرب تأسست على يد يهود فرّوا من الرومان بعد دمار الهيكل الثاني.
أثناء إقامته في المدينة، تبنّى النبي محمد بعض الأحكام الدينية من الشريعة اليهودية، ومنها جوانب تتعلق بالذبح. ورد في القرآن الكريم (سورة المائدة، آية 5) أن أطعمة اليهود حلال للمسلمين.
في اليمن، فرض المسلمون على أنفسهم عدم أكل ذبائح اليهود، ما أثّر على الفقه اليهودي المحلي هناك. ومع أن الكاتب لا يفتي في الشريعة الإسلامية، إلا أنه يشير إلى أن معظم الشحّاذين اليهود يعرفون ما يلزم لجعل الذبيحة مقبولة للمسلمين، بل حتى "حلال مشدد".
في الشريعة اليهودية، الذابح يجب أن يكون يهودياً بالغاً، ولا يُقبل الذبح من طفل أو غير يهودي. من الناحية الشرعية، يمكن للمرأة أن تذبح، إلا أن الأمر نادراً ما يحدث عملياً. أما في الإسلام، فذبح المرأة غير جائز، لكن ذبح الطفل الذكر جائز.
المسلمون يفضلون أن يتلو الذابح اليهودي عبارة "الله أكبر" قبل الذبح، إلى جانب البركة اليهودية التقليدية، وقد ناقش الفقهاء اليهود جواز ذلك وأجازوه. وفي حال كانت الذبيحة مخصصة للمسلمين فقط، يُفضل الاقتصار على "الله أكبر".
في الذبح الإسلامي، من المتطلبات أن يوجَّه الذابح نحو مكة. في الشريعة اليهودية لا توجد توجيهات مماثلة نحو القدس، بل يُفضل عدم التوجه إليها أثناء الذبح لتجنب الشبهات.
أما السكين، فيجب أن تكون حادة، دون اشتراط نوع المادة. الشريعة اليهودية تفرض معايير دقيقة جداً في شحذ السكين، وتفاصيل تقنية دقيقة لتجنب أي خلل في الذبح.
وفقاً للتراث اليهودي، عندما أراد إبراهيم ذبح إسحاق، نزلت دمعة من الملائكة على السكين، ما دفعه إلى التوقف وفحص السكين مجدداً. ويتم الذبح من الرقبة باتجاه العمود الفقري، مع قطع القصبة الهوائية والمريء، وتفضيل قطع الشرايين المغذية للدماغ، وهو أمر يحرص عليه المسلمون بشكل خاص.
في أوروبا، تُواجه الذبائح الشرعية حملة من منظمات حقوق الحيوان، بحجة أنها غير إنسانية. في الماضي، حظرت ألمانيا الذبح بعد صعود النازيين. حالياً، تستهدف هذه الحملات المسلمين، لكن نظراً لجواز أكل المسلمين من ذبائح اليهود، يمكنهم الالتفاف على هذه القوانين.
بعد الذبح، يقوم اليهود بفحص الأعضاء الداخلية للتحقق من عدم وجود أمراض تحرم أكل اللحم، وهو أمر غير معمول به في الذبح الإسلامي. هذا الفارق يسمح لليهود ببيع "الطرائف" (اللحوم غير المسموح بها يهودياً) للمسلمين.
في بداية الاستيطان اليهودي الحديث في إسرائيل، لم يتمكن اليهود الأشكناز من تأسيس مسالخ خاصة بهم لأن المسلمين لم يعترفوا بيهوديتهم، وبالتالي لم يشتروا طرائفهم. فقط بعد حصولهم على اعتراف من القاضي المسلم تمكنوا من ذلك.
يُنصح النسويات اليهوديات بإنشاء مسالخ نسائية، رغم أن ذلك غير مجدٍ اقتصادياً لعدم شراء المسلمين منها، لكنه يُعد رمزاً للمساواة.
في الشريعة اليهودية، هناك دهون وأعصاب تُمنع من الأكل ويجب إزالتها بعناية، على عكس الشريعة الإسلامية التي لا تعرف هذا المنع.
في دول كثيرة، تُحافظ الذبائح اليهودية على جدواها الاقتصادية بفضل السوق الإسلامي، ويوجد تعاون متزايد بين هيئات الرقابة الدينية اليهودية والإسلامية في دول كالإمارات وغيرها، ما يسهل على الطرفين التزامهما الديني.
ربما يأتي السلام بين الشعوب والأديان عبر المؤمنين.